مبيعات العقارات في تركيا خلال النصف الأول من 2020 .. تحدٍ بقوة مليون عقار
قطاع العقارات في تركيا ، من القطاعات الاقتصادية التي تنبأ لها الكثير بالانهيار بسبب جائحة كورونا إلاّ أنّها فاجأت الجميع بقوتها وصمودها، بل بتحقيقها أرقاما قياسية جاوزت كل التوقعات، وسنوات ما قبل الأزمة.
ما هي نسبة مبيعات العقارات في تركيا خلال زمن كورونا، أي منذ مطلع سنة 2020، كيف تحدّت عقارات تركيا عقبة الجائحة، وما هي الأسباب التي دفعت بانتعاش الإقبال على شقق للبيع في تركيا بدل شلل المبيعات وتراجعها مثلما شهدته عديد البلدان الرائدة في القطاع ؟.
كم باعت تركيا من العقارات خلال النصف الأول من 2020 ؟
تمكنت تركيا من بيع أزيد من مليون وحدة عقارية " 1.058448 " خلال الفترة الممتدة من يناير إلى غاية يوليو 2020، أي خلال النصف الأوّل من السنة الجارية حسب البيانات التي نشرتها وكالة الأنباء التركية " الأناضول" استقاء من المعهد التركي للإحصاء .
وجاءت الأرقام المحققة في مبيعات الوحدات السكنية والتجارية وقطع الأراضي رغم التغييرات التي أحدثها تفشي وباء كورونا في تركيا والعالم وما صاحبها من صعوبات اقتصادية كثيرة في قطاعات أخرى على غرار الطيران، السياحة، الاستيراد والتصدير وغيرها ..
كيف توزّعت مبيعات العقارات في تركيا خلال النصف الأول من 2020 ؟
تشير البيانات التي نشرتها وكالة الأنباء " الأناضول" بخصوص توزيع مبيعات العقارات في تركيا خلال 2020 إلى تقدم محافظة اسطنبول على الجميع حيث حظيت بنصيب الأسد من حجم المبيعات بواقع 150699 وحدة عقارية تليها العاصمة أنقرة التي تم بيع أزيد من 93 ألف عقار فيها ، أما مدينة إزمير الساحلية فقد تم بيع 58 ألف وثمان مئة وإثنين وخمسين وحدة عقارية فيها.
وحلّتا مدينتي أنطاليا وبورصة في المرتبة الرابعة والخامسة توالا بواقع 41 ألف عملية بيع للعقارات و40 ألف على التوالي.
وتشير الإحصائيات إلى أنّ محافظة هذه الولايات الخمس على أكثر نسبة للمبيعات راجع إلى عدة أسباب أبرزها ارتفاع الكثافة السكانية فيها، واحتوائها على عديد المشاريع العقارية ، وثرائها ببنية تحتية قوية وشبكة مواصلات متنوعة بالإضافة إلى طابعها المعماري ومناخها المناسب للعيش والاستقرار .
لماذا ارتفعت مبيعات العقارات في تركيا خلال النصف الأول من 2020؟
بالإضافة إلى التحفيزات التي تطلقها الحكومة التركية دوريا للمواطنين والأجانب الراغبين في شراء عقارات في تركيا، على غرار الجنسية التركية مقابل استثمار عقاري بقيمة 250 ألف دولار أمريكي ، أقّرت السلطات في تركيا خلال فترة كورونا عدة إجراءات ساهمت في الرفع بشكل كبير من مبيعات العقارات سواء للأجانب عن طريق بيع العقار أونلاين وإتمام جميع الخطوات عن بعد أي دون حاجة قدوم الأجنبي إلى تركيا بسبب توقف الطيران، ومن ناحية ثانية عن طريق الرهون العقارية التي سنفصل فيها في الفقرة أدناه.
وحسب تقرير وكالة الأنباء التركية " الأناضول" فإنّ عدد مبيعات المنازل عن طريق الرهون العقارية بلغ مستوى قياسي في شهري يونيو ويوليو تزامنا مع بدء البنوك الحكومية التركية أو المقرضون العامون كما يطلق عليهم في تقديم القروض بمعدلات هي الأفضل في تاريخ تركيا .
وأسهم قرار خفض الفائدة الذي أعلنته ثلاثة بنوك حكومية تركية هي بنك زراعات وبنك وقف وبنك هلك في الفاتح من يونيو 2020 بغية تنشيط عملية الانتقال إلى الحياة الطبيعية لمرحلة ما بعد كورونا في الرفع القياسي لمبيعات العقارات خاصة أنّ تسهيلات القروض شملت شراء المنازل بدرجة أولىى وشراء السيارات والسلع المصنعة محليا أو أيضا تغطية نفقات العطلات بأسعار فائدة سنوية تقل عن التضخم .
وقدرت مدة استحقاق القروض المقدمة من البنوك الحكومية الثلاثة بـ 15 عاما بسعر فائدة يصل إلى 0.64 % وفترة سماح تقدّر بـ 12 شهرا وهو ما ساعد كثيرا على إقبال الأتراك بصفة كبيرة على شراء عقارات وبالتالي انتعاش مبيعات العقارات .
ويؤكد خبراء العقار أنّه في حال استمرت البنوك التركية في تقديم حزم القروض سيبقى القطاع ومبيعاته في حالة قوة وارتفاع دائم، والوصول إلى بيع أزيد من مليون عقار في زمن كورونا ما هو إلاّ دليل آخر على صلابة قطاع العقارات في تركيا.
هل اقتصر بيع العقارات في تركيا خلال زمن كورونا على المواطنين الأتراك فقط ؟
صحيح أنّ مبيعات الستة أشهر الأولى من 2020 كانت أغلبها موجهة للأتراك إلا أنّ الأجانب بدورهم حافظوا خلال هذه الفترة على نسبة معينة من شراء عقارات في تركيا، بفضل إجراءات البيع أونلاين وما رافقها من تسهيلات للراغبين في التملك العقاري الذين منعتهم ظروف تجميد الرحلات من استكمال أهدافهم .
وعموما ظلت تركيا طيلة العشر سنوات الأخيرة أرضا حاضنة للأجانب الراغبين في التملك العقاري خاصة الروس و العرب والإيرانيين والأفغان ، لولا أزمة كورونا التي أجّلت عمليات البيع إلى غاية استئناف الرحلات الجوية التي كانت معلّقة وعادت تدريجيا منذ مطلع شهر يونيو، ورغم كل فترة الانقطاع التي حالت دون قدوم المستثمرين الأجانب إلاّ أنّ نشاط قطاع العقارات في تركيا ظلّ مستمرا سواء بشراء عقارات أونلاين أو من مباشرة من طرف الأجانب المقيمين في تركيا الراغبين في توسيع استثماراتهم ومضاعفة رؤوس أموالهم.
نعم، على عكس جميع القطاعات الأخرى يعتبر قطاع العقارات من القطاعات القليلة الصامدة التي لا تتأثر بسهولة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية العابرة التي تمرّ بها الدول، وفي أزمة جائحة كورونا أثبت قطاع العقارات في تركيا أنّه أقوى مّما كان متوقعا بتحقيقه رقما قياسيا فاق السنوات الثمانية الأخيرة .
وتجتمع عدّة أسباب لقوة مبيعات العقارات التركية أهمّها:
- المكانة الكبيرة التي يحظى بها قطاع العقارات في السوق العالمية والثقة الواسعة من قبل المستثمرين الأجانب في عروض للبيع شقق في تركيا .
- الإقبال الكبير على المنازل المستقلة خلال هذه الفترة بسبب جائحة كورونا ورغبة العديد من العائلات العيش في أماكن منفصلة مراعاة للحجر الصحي الذي يعتمد على مبدأ التباعد الاجتماعي.
- سرعة نمو الاقتصاد التركي وتنوعه ومنافسته في السوق مقارنة بالدول الأخرى .
- كثرة المشاريع العقارية التي تسهر الدولة التركية على تشييدها وجاذبيتها والسمعة الجيدة لجودتها واحترام مواعيد تسليمها خاصة تلك التي هي قيد الإنشاء بضمان الحكومة التركية .
- انخفاض تكاليف و أسعار الشقق في تركيا مقارنة بالعواصم الكبرى على غرار عواصم الدول الأوروبية .
- انخفاض مستوى المعيشة حيث أنّ مصاريف العيش تعدّ الأخفض عالميا.
- انخفاض تكاليف شراء عقار في اسطنبول أو تركيا عموما سواء من حيث الأسعار أو الضرائب والرسوم.
- تعتبر تركيا من أكثر الدول التي يكون العائد الاستثماري فيها مرتفعا ، حيث نجحت جميع تجارب شراء شقق في تركيا بغاية الاستثمار من قبل المستثمرين المحليين والاجانب على حدّ سواء .
- تتمتع تركيا بموقع جغرافي ممتاز وطبيعة ساحرة تجعل مبانيها مميزة عن غيرها في العالم.
- احتواء تركيا على منشآت حيوية كبرى على غرار مطار اسطنبول الجديد الأكبر في العالم و قناة اسطنبول المائية وجسورها العملاقة ومدينتها التكنولوجية " تكنو بارك" وغيرها من المشاريع الضخمة.
- تميز تركيا بطبيعة ساحرة ومناخا رائعا ما جعلها بلدا سياحيا بامتياز ، يتوافد عليه الملايين سنويا وبالتالي ترتفع فيه الحاجة للمنشآت الفندقية والمنازل السياحية وحفّز ذلك المستثمرين على شراء شقق في تركيا بغاية إعادة تأجيرها في المواسم السياحية حيث تشير الإحصائيات أنّهم تمكّنوا من تحقيق أرباح كبيرة في فترات وجيزة .
وتواصل تركيا في كلّ مرة إثبات قدرتها على احتواء الأزمات وتجاوزها بكل نجاعة، خاصة ما تعلّق منها بالمجال الاقتصادي الذي تسير فيه بثبات نحو دخول نادي العشرة الكبار في إطار رؤية 2023 .