كيف سينجو اقتصاد تركيا من عقبة كورونا؟

Turkish economy survive the Corona crisis

لم تتحوّل كورونا التي ظهرت أوّل مرّة في الصين أواخر العام الماضي 2019 إلى رهاب عالمي إلاّ بعد أن بدأت تهزم كبرى الدول وأقواها اقتصادا على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا، إسبانيا وفرنسا ، بل تمكّنت في ظرف قياسي من تشتيت خطوطهم الدفاعية دفعة واحدة.

ما كان يأخذ بالأمس القريب على أساس فيروس محلي في مدينة ووهان الصينية البعيدة جغرافيا، تحوّل إلى جائحة عالمية لم تفرّق بين الدول العظمى ولا الدوّل السائرة في طريق النمو، لا بين الشعوب الغنية ولا الشعوب الكادحة، لا بين الرؤساء والملوك ولا الموظفين والطبقة الشغيلة !

ومن هنا بدأ الخوف يسود في جميع الدول التي سارعت إلى اتخاذ إجراءات وتدابير احترازية من شأنها تطويق المرض الذي أخذ في الانتشار بشكل رهيب، فأغلقت المدارس والجامعات ومراكز التسوق وجميع أماكن التجمعات والتزاحم، وأصبح الخروج من المنزل حلم وحق التجول في الشارع لا يسري إلاّ بترخيص مسبق .

نعم، غيّرت كورونا كلّ شيء في العالم، بدءا من العادات والتقاليد وصولا إلى السياسات والاقتصادات، هذه الأخيرة التي اهتزّت على وقع تعليق الرحلات وتجميد بعض حركة الاستيراد والتصدير وفرض قيود على أخرى وتراجع قياسي تاريخي في أسعار البترول وباقي السلع والمنتجات .

انقلب العالم رأسا على عقب دون سابق إنذار وأصبح الحفاظ على النفس البشرية من غدر الفيروس القاهر أهمّ إنجاز ... لكنّ ماذا عن الاقتصاد، ماذا عن قوام الدول وأساس مواصلة تواجد شعوبها ؟

هل أعدّ الجميع العدّة لكوفيد ـ 19 ، وهل سينجح الجميع في تخطّيه !

في هذا المقال سنعرض عليكم نموذجا لدولة تركيا التي كانت السباقة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية حتىّ أثناء تسجيل صفر حالة من خلال عمليات التعقيم الواسعة في المطارات ووسائل النقل والأماكن العمومية وتعليق الرحلات الدولية إلى الصين وإيران وإيطاليا .

لكن ولأنّ تركيا ليست بمعزل عن العالم فقد وصل إليها الوباء في حدود منتصف مارس / آذار الفارط وهي التي تعافت حديثا من مخلفات الأزمة الاقتصادية صيف 2018 ، وكانت تسير بخطى ثابتة نحو انتعاش اقتصادي بالتعاون مع الصين ثالث أكبر شركائها والاتحاد الأوروبي الذي يتصدّر قائمة مبادلاتها التجارية لولا أن يكونا الطرفين أكبر المتضررين من الجائحة.

ورغم ذلك لم تظهر لحد الساعة الآثار الاقتصادية الوخيمة للوباء ولا يزال التحكم قويا والتأثير ضعيفا في معظم القطاعات التركية الحيوية.

 

خطة تركيا الاقتصادية في مواجهة جائحة كورونا ؟

فور وصول الوباء إلى تركيا، سارعت الحكومة في إعلان خطة استثنائية أطلقت عليها درع الاستقرار الاقتصادي حيث تضمّنت حزمة من التدابير الجادة لمواجهة الآثار السلبية لفيروس كورونا بقيمة بلغت مئة مليار ليرة أي ما يعادل 15.5 مليار دولار أمريكي لترتفع بعد شهر إلى 200 مليار ليرة أي 28.7 مليار دولار .

واعتمدت خطة درع الاستقرار على عدة بنود أهمّها:

· أوامر بتأجيل دفع أقساط مؤسسة الضمان الاجتماعي للأشهر الثلاثة القادمة لمدة ستة أشهر.

· أوامر بخفض قيمة الضريبة المضافة من 18% إلى 1 % على جميع رحلات الطيران الداخلي لمدة ثلاثة أشهر.

· أوامر بتمديد فترة تسديد القروض والفوائد البنكية للمصانع التي أصابها الضرر من تأثير كورونا إلى مدة 3 أشهر هي الأخرى.

· أوامر بدعم فوري للمصدرين جراء نقص الصادرات خلال فترة كورونا التي أصابت حركة الملاحة والطيران بشلل شبه كلي.

· أوامر بتخفيض الدفعة الأولى أثناء شراء شقق في تركيا قيمتها أقل من 500 ألف ليرة إلى 10% مع رفع نسبة التقسيط من 80 % إلى نسبة 90% .

· أوامر برفع الرواتب الدنيا للمتقاعدين إلى قيمة 1500 ليرة مع تقديم موعد منحة العيد لمستحقيها.

· أوامر بمنح المزارعين في 21 ولاية 75% من بذور الموسم الصيفي مجانًا.

· أوامر بمنح دعم مالي للصناعيين وصغار التجار بقيمة 8,5 مليار دولار أمريكي.

· أوامر بتقديم الخدمة الطبية للمسنين استثناءً في منازلهم مراعاة للحجر الكلّي المفروض على الأطفال وكبار السنّ.

· أوامر بتشديد إجراءات مواجهة آثار الجائحة من طرف البنك المركزي الذي خفّض سعر الفائدة مئة نقطة أساس على عمليات الشراء ليصل إلى 8.75 % من أجل دعم الاقتصاد واستقرار الأسعار.

· أوامر بإلغاء الرسوم الجمركية على واردات الإمدادات الطبية.

· تخصيص ملياري ليرة إضافيين لفائدة مؤسسات المساعدة الاجتماعية والتضامن التي تتكفل بتقديم أشكال مختلفة من الإعانة للمحتاجين ما سمح بزيادة تمويلها بالثلث.

· إطلاق خطة توظيف تاريخية بعنوان مليون مبرمج في سابقة من نوعها .

· حصول حوالي 4.4 مليون أسرة على دعم مالي بقيمة ألف ليرة تركية .

 

مؤشرات صمود الاقتصاد التركي في وجه كورنا

سجّلت تركيا خلال فترة كورونا عديد المؤشرات الإيجابية التي تدّل على بقاء اقتصادها صامدا قويا في وجه كورونا ومن بينها نذكر:

· ارتفاع مؤشر الإنتاج الصناعي بنسبة 7,5 % وهو ما يفوق معدل النمو في 23 دولة أوروبية .

· تصريح الخبراء بأن تركيا لن تشهد عجزا في الغذاء بسبب وجود مخزون احتياطي كبير خاصة أنّها تنتج 20 مليون طن من القمح سنويا كأكبر مصدّر للطحين في العالم .

· تطمينات وكالة فيتش الدولية بأنّ الاقتصاد التركي سيعاود النمو بعد أزمة كورونا وسيصل إلى 4.5 % بحلول 2021 .

· تمتع تركيا بثاني أكبر مخزون للمواد الأساسية بعد الصين حسب آخر بيانات يورو مونيتور الدولية للاستشارات .

· انخفاض أسعار بعض المواد الغذائية في الوقت الذي عرفت فيه حتّى الدول الأوروبية ندرة حادّة.

· استبعاد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" حدوث أي نقص في الغذاء في تركيا بسبب كورونا.

· توزيع الكمامات مجانا على المواطنين في وقت شهد فيه العالم شحا غير مسبوق في كلّ أنواع الكمامات والأقنعة الواقية من كورونا.

· تحقيق مبيعات العقارات في الربع الأول من سنة 2020 أي في وقت تفشي وباء كورونا أفضل أداء لها خلال ثمان سنوات حيث عرفت عروض شقق للبيع في تركيا بيع 341 ألفا و38 عقارا خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري.

· ارتفاع نسبة شراء شقق في تركيا من قبل الأجانب بنسبة 14 % حيث شهدت شقق للبيع في تركيا إقبالا كبيرا مقارنة بالربع الأول من سنة 2019 وذلك بشراء 10 آلاف و948 شقة .

· زيادة قياسية في نسبة شراء المنازل المستقلة خلال زمن كورونا أي استمرار حركية سوق العقارات بعدما كان الطلب كثيف على المجمعات السكنية المعروضة في إعلانات شقق للبيع في تركيا .

· ارتفاع نسب التصدير في عديد المنتجات الفلاحية على غرار الفواكه المجففة ، اليوسفي وكذا المواد المصنّعة مثل اليخوت.

لقد أبدى الاقتصاد التركي مقارنة بعديد الدول حتى الكبرى منها صمودا في وجه عاصفة كورونا بفضل حزمة من القرارات والتدابير التي أعطت دفعا قويا لتماسكه ووقفت حصنا منيعا في وجه تراجعه الحاد.